كاظم قره بكير (1882-1948). أ.م.د. هزبر حسن شالوخ
الباحث : مهدي محمود عزيز
ولد موسى كاظم قره بكير سنة 1882 في مدينة استانبول ، اكمل دراسته هناك حتى تخرج سنة 1902 من الكلية الحربية في استانبول ، وراح يتدرج برتبه العسكرية في الجيش العثماني ، ليبدأ بوضع بصماته الواضحة في واقع بلاده العسكري والسياسي .
أبدا كاظم قره بكير دوراً عسكرياً فاعلاً في حرب البلقان ، التي جرت في سنتي 1812و1913 بين الدولة العثمانية والتحالف الذي ضم بلقاريا وصربيا والحيل الاسود واليونان ، حول مقدونيا وترافيا الواقعتان تحت سبطرت الدولة العثمانية .
ثم في الحرب العالمية الاولى (1914-1918) عند ما دخلتها بلاده الى جانب دول الوسط ضد دول الوفاق ، ولا سيما في معركة جناف قلعة الشهيرة ، التي وقعت في 15آذار1915 بين القوات العثمانية والقوات البريطانية ، والتي انتصرت فيها القوات العثمانية وأبقت سيطرتها على مضيقي البسفور والدردنيل ، تلك المعركة التي عدت اهم المعارك التي فاضتها الدولة العثمانية وأشرسها ، ولا تزال تركيا الى الوقت الحاضر تحيي ذكراها السنوية . أما في حرب الاستقلال الوطنية (1919-1923) ، فقد كان كاظم قره القائد العسكري الوحيد الذي لم ينفد ما اشترطته هدنة مودورس ، المتفق عليها سنة 1918 بين الدولة العثمانية ودول الوفاق ، فلم يرح قواته ولم ينزع سلاحها ، وكان أول من دعا الى مقاومة قوات الوفاق المحتلة بالسلاح ، وأول من باشر العمل في هذا السبيل مع القاده الاتراك العسكريين أنداك ، فتولى في أيار 1919 قيادة الفرقة الخامسة عشر من الجيش التركي في جبهة الاناضول الشرقية ، وهزم في تشرين 1920 القوات الارفية وجردها من السلاح ، واعاد سيطرة بلاده على ولايتي وان ……ومتصرفية قارص ، ثم دخل بقواته العاصمة بريفان وشق الطريق لاتصال بلاده بحكومتي أذربيجان الاسلامية والروس ……
وقد ذهب البعض مؤكدين بوثائق نشرها كاظم قره نفسه في جريدة (مليت) التركية سنة 1933 ، الى أن الانتصار الكبير الذي حققته قوات التحرير التركية في أزمير ، والذي ألحسب مصطفى كمال البطولة والشهرة بصفته قائد المعركة العسكري ، كان بخطط كاظم قره وجهوده العسكرية وليس مصطفى كمال أو غيره .
الامر الذي يوضح كيف لمع نجم كاظم قره في سماء عطاء المؤسسة العسكرية التركية ، التي ظلت تذكره حتى الوقت الحاضر بسلسلة من فعالياتها .
كان لكاظم قره بكير الى جانب نشاطه العسكري نشاط سياسي ملحوظ ، فهو أول من طرح فكرة تشكيل حكومة قومية قادرة على تحمل المسؤلية في البلاد ، وهو ما تضمنه تعميم أماسيا ، الذي بعثه مصطفى كمال في حزيران 1919 من هناك الى الولايات التركية ،
لقدوم ثلاثة مندوبين سراً الى سيواس والعمل على انشاء تنظيم قومي . وعندما ارتاب الاتحاديون الاعضاء في مؤتمر أرضروم في أمر مصطفى كمال ، لدرجه رفضوا مشاركته في المؤتمر المنعقد من تموز الى آب ، كان كاظم قره هو من اقنعهم بضرورة اتراك مصطفى كمال . الا ان الاخير عندما عارض رغبة السلطان محمد السادس (1918-1922) بعوته الى استانبول ، وما ترتب على ذلك من عزله ادارياً وعسكرياً ، غير موقف كاظم قره تجاهه ، ذلك لاعتقاده بأنه كان مبعوث السلطان لاداء مهمة يرسة هي إقامة النظال الوطني ، الامر الذي يفسر معارضة كاظم قره لرغبة مصطفى كمال بالدعوة الى عقل مؤتمر سيواس المزمع عقده في أيلول .
صار كاظم قره بكير عضواً بارزاً في المجلس الوطني الكبير ، الذي أعلن عن تشكيله في 19أذار1920 برئاسة مصطفى كمال ، واستمر بالعمل فيه الى ما بعد القاء السلطنة في 1 تشرين الثاني 1922 واعلان قيام الجمهورية في 29تشرين الاول 1923 ، فاستقال منه في أذار 1924 . كما أسندت اليه مهام وزارة الحربية (الدفاع) ، عندما تشكل مجلس حكومي في 2أيار1920 برئاسة مصطفى كمال أيضاً ، وتواصل في منصبه المذكور حتى تشرين الثاني 1924 . مثلما صار عضواً في حقوق حزب الشعب الجمهوري منذ تشكيله في تموز 1923 برئاسة مصطفى كمال ، وقد اقتصر نشاطه الحزبي قرابة ثمانية أشهر على معارضة اجراءات مصطفى كمال ، مثل إلقاء المعاهد الدينية ، ومحاربة الطرق الصوقية ، وإلقاء المحاكم الشرعية ، اعتقاداً منه ان تلك الاجراءات لا تتلائم وتركية البلاد السياسية والاجتماعية ، وما ان ألفين الخلافة في 3آذار1924 إنتقال من عضوية الحزب وقطع علاقته به .
شكل كاظم قره بكير وعدد من أعضاء المجلس الوطني الكبير المعارضين لاجراءات مصطفى كمال في تشرين الاول1924 حزباً معارضاً ، عرف باسم (حزب الترقي الجمهوري او الحزب الجمهوري المتمدن) ، وانتخب كاظم قره أميناً عاماً له ، واتسعت قاعدة الحزب بانضمام عدد من المنشقين عن حزب الشعب الجموري ، وقد دعا مؤسسو الحزب الجديد الى احترام المعتقدات الدينية لعموم الناس ، مثلما صاغوا اهدافاً للحزب ، تلخصت باعادة الخلافة ونظام السلطنة ونقل العاصمة الى استانبول ، وفسح المجال للاستثمارات الراسمالية الاجنبية ، وعدم سيطرة الدولة على القطاعات الاقتصادية ، مما أثار حفيظة مصطفى كمال وانصاره ضد الحزب ، فاتهموه بالتعاون مع الحركة الكردية ، التي ظهرت في شباط1925 بقيادة الشيخ سعيد النقشبندي ، وعمدوا الى اغلاق الحزب في آذار بموجب القانون المعروف بـ(تقرير سكون) . ولم تشر المصادر الى أي نشاط عسكري أو سياسي لكاظم قره بعد ذلك ، حتى وفاته سنة 1948 .
المصادر .
- أمين محمد سعيد وكريم خليل ثابت ، سيرة مصطفى كمال باشا وتاريخ الحركة التركية الوطنية في الاناضول ، ط1 ، (د.ط) . القاهرة ، 1922 .
- حنا مينا مطر ، أنانورك بطل الشرق مصطفى كمال باشا وانتصارات الاتراك في الاناضول ، ط1 ، منشورات مكتبة الاسكندرية ، (د.مط) ، (د.ن) .
- ضابط تركي سابق ، الرجل الصنم مصطفى كمال اتاتورك حياة رجل ودولة ، ط1 ، تر . عبدالله عبدالرحمن ، الاهلية للنشر والتوزيع ، عمان ، 2013 .
- محمود شاكر ، التاريخ المعاصر تركيا ، ط1 ، المكتب الاسلامي ، (د. مط) ، 1996 .
- فايزة علوش ، مصطفى كمال اتاتورك وموقفة من الخلافة العثمانية (1881-1938) ، رسالة مامسيز ، كلية العلوم الانسانية والاجتماعية ، جامعة محمد خضير ، (د.مط) ، 2015 .
- ابراهيم العريس ، ثورة مصطفى كمال تأكل أبناءها وتلقي المعارضة ، الحياة (جريدة) ، الرياض ، العدد 13326 ، التاريخ 2أيلول1999 .
- عصمت برهان الدين عبدالقادر ، تطور الظاهرة الدينية – السياسية في تركيا المعاصرة ، دراسات اقليمية (مجلة) ، جامعة الموصل ، العدد 4 ، التاريخ كانون أول2005 .
- الشبكة الدولية للمعلومات (الانترنت) ، على الموقع : www.aIshirazi.com