تدريسي من كلية التربية للعلوم الانسانية ينشر دراسة بعنوان مَروِياتُ الهَزِيمة في صحيفة القدس اللندنية
تدريسي من كلية التربية للعلوم الانسانية ينشر دراسة بعنوان مَروِياتُ الهَزِيمة في صحيفة القدس اللندنية
نشر التدريسي من قسم اللغة العربية في كلية التربية للعلوم الانسانية الاستاذ المساعد الدكتور خالد علي ياس دراسة بعنوان مرويات الهزيمة في جريدة القدس الصادرة في العاصمة البريطانية لندن .
وجاء في الدراسة ان (الثقافة الغربية) تنبهت في وقت مبكر، لإشكالية الفرد وعلاقته بالإدارة وسلطة المجتمع القائم، عندما وصفتها، وحاولت إيجاد مخارج معرفية لها، لإذابة الاختلافات بين الطرفين تحت مسمى مصلحي واحد يجعل منهما قطبا موحدا في سيرورة الوجود، ولعل وصف هيغل المبكر لهذه الإشكالية، من خلال ظهور النوع الروائي بعد سيادة الملحمة، دال على ذلك، كونه يؤكد على أن الشكل الجديد، ملتصق بصعود البورجوازية وهاجسها الأخلاقي والتعليمي، ما يؤدي إلى ثورة البطل بروح رومانسية، تفرض بالضرورة سقوطه، أو مكابرته أمام السلطة السائدة، لتعيش بذلك المغامرة الروائية في الأوهام، نتيجة للفارق الكبير القائم بين الواقع المرجو والواقع المعاش.
واوضحت الدراسة ان البذرة الأولى لمفهوم (الفرد الإشكالي)، تترسخ في متون المعرفة الغربية، اذ ان الفرد الذي يصارع النظام القائم، في سبيل قيم وسيكولوجية ينتمي إليها، وهو أمر فتح الطريق أمام كثير من المفكرين والفلاسفة والسيسيولوجيين ، لرصد هذه العلاقة الشائكة بين الفرد والسلطة السائدة، لما لذلك من أهمية كبرى في نمو مجتمعات إنسانية معاصرة، تحترم الإنسان وحقوقه وتخلو من الجور والطغيان، وهو ما عبرت عنه الطروحات الماركسية والمثالية معا، لتصل ذروتها مع أسماء مهمة مثل: فانون وكولن ولسن وماركوز في رصدهم لتحولات المجتمعات، من خلال علاقتها بأفرادها ومقدار احتضان هذه المجتمعات لهم، إيجابا أو سلبا، من هنا استطاعت المرويات الغربية أن تحتفي بمتغيرات إنسانية لأفرادها، إشكاليين كانوا أو منتمين أو رافضين أو سلبيين، لتتجاور في ذلك مع الرؤية الإدارية العامة في المجتمعات الغربية، التي عملت على جذب الفرد لها لا لرفضه أو إقصائه أو حتى إسكاته قسرا.
بينت الدراسة ان الأمر ذاته مختلف في (الثقافة العربية) تماما، مما يفرض أن نتساءل لمعرفة طبيعة نتاجنا الثقافي، من خلال تعالقه المعرفي بالمنظومة السلطوية، الموجِهة سلبيا للوعي الكتابي والجمالي على وفق تداخل بنيوي دال، لماذا تقدم مروياتنا السردية الحديثة ، دائما، بطلا مهزوما غير منتم، ليكون ناتئا معارضا للقيم السائدة؟ ولماذا لا تتحول المعارضة في المرويات الأوروبية، إلى قمع وكبت للحريات؟ ولعل هذين السؤالين هما جوهر بناء شخصية الفرد الإشكالي عبر تأريخ السردية العربية الحديثة، المصاحبة في نموها وتطورها للتحولات الفكرية والمعرفية الكبرى في مجتمعنا، لذلك أُنتج ما يمكن أن أسميه بـ (مرويات الهزيمة)، لأن درجة الكتابة لدينا تنتِجُ بتأثير ذلك، ثقافة مستلبة في ظل منظومة معرفية قامعة تسلب الإنسان حقه في التعبير الحر، فغدت أدبياتنا- ولاسيما مروياتنا- لا تتحدث إلا عن الهزيمة والانكسار والضياع، ولا تقدم شخصياتها إلا إذا كانت مهزومة وسلبية وغير قادرة على الفعل، فتفضل الارتداد إلى الذات وعدم الانتماء، حيث الانكسارُ والضياعُ وتهميشُ الإنسان، وهو شكل احتفت به السردية العربية الحديثة- كتابة وصورا- من قبلُ، ولاسيما في مرحلتها الستينية والمراحل اللاحقة لها.
وحقيقة الأمر أن عودة سريعة إلى متن مروياتنا القديمة من حكايات شعبية وخرافية ومقامات وأمثلة وسير وغيرها، تؤكد من دون أي تردد بأن (مروياتنا العربية الحديثة) لم تكتسب هذه الدرجة التراجيدية ذات الطابع المنهزم، من مروياتنا الشفاهية القديمة، لأن اللغة ومعناها مكثت قديما في نصوصنا، بوصفها مركزا وهما لصاحب النص، بينما شغلت الأيديولوجية الحيز الكبير في ما نكتب الآن، تأثرا بالظرف السوسيو ثقافي والتراكمي للسلطة بأنواعها المهيمنة، في وعي المجتمع وتأريخه المؤثر في الأفراد المبدعين، مما ولد توجها غير مسبوق لمحيط اللغة أكثر من اللغة ذاتها، وربما للأمر – أعني علاقة المبدع بالسلطة – صلة بالفكرة التي سبق أن ناقشها عبد الله الغذامي عندما تحدث عن مصطلح (النقد المدني أو الدنيوي) الذي اجترحه الناقد إدوارد سعيد في «العالم والنص والناقد»، مبينا أن الناقد/المثقف يوضع على حد الشيفرة بين النظام المؤسساتي الذي يدير فعل الناقد، والثقافة التي تتحدى فعل النقد، في حيويتها بوصفها حدثا غير ممنهج، مما يولد تعارضا بين النظام والثقافة، يعمل الناقد على تحويله إلى تجانس يخدم نمطية الكتابة التي يزاولها، وهذا بالضرورة سيبعد كتابته عن أي تعارض سلبي، يمكن أن يؤثر في درجة كتابته كون السلطة هنا- والمقصود طبعا السلطة الثقافية الغربية- متماهية مع وعي المثقف ليكون وعيه وضميره إيجابيين، لكن هذا النظام نفسه في مجتمعاتنا العربية لا يحقق التوازن الشيفري الذي أشار إليه سعيد، بسبب الهوة الواسعة بين وعي المثقف العربي وكتابته مع النظام، ما يولد بالضرورة درجة سالبة من الكتابة المعارضة لكل مفاهيم هذا النظام، وهنا يكمن مأزق النظام الإداري ورجعيته، ومأزق المثقف ونكوصه.